الدرس الثالث والعشرون : التجاوب مع آيات الله وقبول الموعظة، (مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن) : للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 23 رمضان 1444 هـ – 14 إبريل 2023م
الدرس الثالث والعشرون
التجاوب مع آيات الله
وقبول الموعظة
العناصر
أولاً : قلوبهم مفتوحة وآذانهم صاغية
ثانياً : احــذروا مغاليـق القلـــــوب
ثالثاً : تـخـلـــقوا بالقـــــرآن
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة pdf
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : قلوبهم مفتوحة وآذانهم صاغية
عباد الله : مازلنا في رحاب القرآن ، ومع هؤلاء الصفوة الذين نسبهم الله لنفسه تكريماً وتشريفاً لما لهم من أوصاف حسنة ، وأخلاق كريمة ، ومع صفة أخري لهؤلاء العباد ، وهي تجاوبهم مع آيات الله وقبولهم للمواعظ والتذكير ، فقلوبهم مفتوحة ، وآذانهم صاغية ، يعون ما يسمعون ويعملون به . قال الله تعالي: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }(73)(الفرقان).
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها، {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا.(تفسير السعدي).
عباد الله : إن الله أنزل القرآن علي عبده ورسوله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، ليدل الناس عليه ، ليفتح قلوبهم به، قال الله تعالي : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }(23)(الزمر).
هذه الآية نزلت لما قال أصحاب الرسول يوماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى قوله {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } وهو القرآن {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} أي يشبه بعضه بعضاً في حسن اللفظ وصحة المعاني {مَثَانِيَ} أي يثني فيه الوعد والوعيد والأمر والنهي والقصص، {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي عند سماع آيات الوعيد فيه {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} إذا سمعوا آيات الوعد وتطمئن قلوبهم إذا سمعوا حججه ، وأدلته وقوله {إِلَى ذِكْرِ اللهِ} أي القرآن ، وذكر الله بوعده ووعيده وأسمائه وصفاته ، ويشهد له قوله تعالى من سورة الرعد {أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقوله تعالى {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي ذلك المذكور وهو القرآن الكريم هدى الله إذ هو الذي أنزله وجعله هادياً يهدي به من يشاء هدايته بمعنى يوفقه للإيمان والعمل به وترك الشرك والمعاصي. وقوله {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لما سبق في علم الله ولوجود مانع منع من هدايته كالإصرار على والعناد والتقليد. فهذا ليس له من هاد يهديه بعد الله أبداً.(أيسر التفاسير).
فعباد الرحمن فتحوا قلوبهم واستقبلوا هدايات القرآن ، ولم يصموا آذانهم عن السماع ، بل سمعوا سماع انتفاع لا سماع إعراض واستهزاء ، فناولوا بذلك أعظم الجزاء .
ثانياً : احــذروا مغاليـق القلـــــوب
عباد الله : إن المؤمن الصادق الذي يريد النجاة الذي يريد السعادة في الدنيا والآخرة هو من فتح قلبه للقرآن كعباد الرحمن ، وعلينا أن نحذر من مغاليق القلوب فإنها حجب تحجب القلوب وتصرفها عن سماع القرآن وتدبر معانيه ، والقلوب إذا حجبت عن القرآن ضلت وتاهت ، فالقرآن فيه الهداية والفلاح .
**إن أخطر هذه الحجب الغفلة ، قال تعالي : {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28)(الكهف).
أي لا تطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين فقلوبهم غافلة عن ذكر الله، وقد شغلوا عن الدين وعبادةِ ربهم بالدنيا . قال المفسرون: نزلت في عيُينة بن حصن وأصحابه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َوقال: أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ ونحن سادةُ مضر وأشرافها إن أسلمنا يسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحِّهمْ عنك حتى نتبعك، أو أجعل لنا مجلساً ولهم مجلس، فهمَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجيبهم إلى ما طلبوا فلما نزلت الآية خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يلتمس هؤلاء الفقراء فلما رآهم جلس معهم وقال:
«الحمد لله الذي جعل في أُمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم» {واتبع هَوَاهُ} أي سار مع هواه وترك أمر الله {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} أي كان أمره ضياعاً وهلاكاً ودماراً {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} ظاهرُه أمرٌ وحقيقته وعيدٌ وإنذار أي قل يا محمد لهؤلاء الغافلين لقد ظهر الحق وبان بتوضيح الرحمن فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا كقوله {اعملوا مَا شِئْتُمْ}.(صفوة التفاسير ).
**ومن الحجب أيضاً اتباع الشهوات ، قال تعالي : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (59)(مريم). فخلف من بعد أولئك الأخيار الذين أنعم الله عليهم، خلف سوء وشر، ومن الأدلة على سوئهم وفجورهم أنهم أَضاعُوا الصَّلاةَ بأن تركوها، أو لم يؤدوها على وجهها المشروع وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ التي جعلتهم ينهمكون في المعاصي، ويسارعون في اقتراف المنكرات.{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} بيان لسوء عاقبتهم، أى: فسوف يلقى هؤلاء المضيعون للصلاة، المتبعون للشهوات، خسرانا وشرا في دنياهم وآخرتهم، بسبب ضلالهم وتنكبهم الصراط المستقيم.(التفسير الوسيط).
**والكبر أيضاً من أعظم الحجب التي تصرف عن تدبر القرآن وفهم معانيه ، قال الله تعالي: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ }(146)(الأعراف).
سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، والمتكبرين على الناس بغير الحق، فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم، وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا، وإن يروا طريق الضلال، أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.(التفسير الميسر).
ثالثاً : تـخـلـــقوا بالقـــــرآن
عباد الله : إن الله عز وجل لما وصف حبيه ونبيه صلي الله عليه وسلم قال : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4)(القلم).
وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِى بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).(مسند أحمد).وإن شئت قلت كان النبي صلي الله عليه وسلم قرآناً يمشي علي الأرض ، فما أحوجنا أن نتخلق بأخلاق القرآن ونتأدب بآداب القرآن اقتداء بسيد الحلق صلي الله عليه وسلم ،قال الله تعالي :{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21)(الأحزاب).
واقتداء بهؤلاء الصفوة عباد الرحمن حتي ننال شفاعة القرآن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَىْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ »(مسند أحمد).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه قال (رب تال للقرآن والقرآن يلعنه).(إحياء علوم الدين).
كيف يلعنه القرآن وهو يقرأه ؟ يتلوا قول الله تعالي :{ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }(18)(هود).ويكون من الظالمين .
القرآن قد يكون حجة لك أو عليك ، فبادر عبد الله بالتخلق والتأدب بأخلاق وآداب القرآن حتي يكون حجة لك يوم القيمة ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»(صحيح مسلم).
اللهم اجعل القرآن حجة لنا لا علينا اللهم ارزقْنا تِلاوته حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي